-A +A
عيسى الحليان
يعتمد الكثير من رجال المال والاقتصاد، كما هو الحال مع المخططين الإستراتيجيين الحكوميين، على توقعات الدوائر المالية العالمية، واستشراف المنظمات والبنوك الدولية لآفاق ومستقبل الاقتصاد الدولي في سبيل رصد ملامح جملة من المؤشرات العامة التي تهم الاقتصاد العالمي ككل، وبالتالي بناء دراساتهم وخططهم المحلية والخارجية على أساسها، ومثل هذه التنبؤات للأسف لا أحد يختبرها أو يضع مؤشرات لمؤشراتها ومدى صدقية كل منها، عند توقعاتها لجوانب هامة من ملامح الاقتصاد العالمي كنسبة النمو وأسعار السلع الرئيسية كالنفط والذهب، وأسعار الصرف، وغيرها، ومدى كفاءة الاقتصاديات العالمية وغيرها.

وكمثال على ذلك أتذكر أن «موديز انفستوز سيرفس» توقعت في مطلع العام الحالي أن يتراوح سعر النفط في عام 2018 بين 40ـ60 دولارا للبرميل، بمعنى أن معدل توقعاتهم كان يقع في نطاق 50 دولاراً للبرميل، واليوم وصل سعر البرميل إلى 80 دولاراً، ولو صحت التوقعات التي ربما يكون مصيرها مصير تقديرات «موديز»، فإن سعر النفط قد يصل إلى 100 دولار مع نهاية العام، وهذا يعني أن نسبة الانحراف في هذه التوقعات من قبل مؤسسة دولية عريقة تكون قد وصلت إلى 100%!! و«موديز» هذه ليست «حيالله» مؤسسة مالية، وإنما مرجعية عالمية تقوم بوضع درجات وتصنيفات للاقتصاديات العالمية ومدى الاعتمادية عليها، وبالتالي فإن تقاريرها المالية ترفع بورصات وتهبّط أخرى، وهذا الأمر لا ينسحب على «موديز» فقط، وإنما على الجميع تقريبا، لكني هنا أوردتها كمثال حي وفي منتج قريب منا، وفي السياق نفسه فإن الاستطلاع الذي أجرته رويترز قبل بضعة شهور وشمل 32 من خبراء النفط والاقتصاد أشار إلى أن خام برنت يدور حول 59 دولاراً في عام 2018، غير أن هؤلاء الخبراء والمؤسسات ما لبثوا أن رفعوا من سقف توقعاتهم في الشهور الأخيرة على وقع الارتفاع المطرد لأسعار النفط، الذي خالف توقعاتهم وكان خارج إطار منحنياتهم السعرية، بعد أن تمرد على الركائز الأساسية التي تحكم عادة إطار توقعاتهم لأسعار النفط كنموذج الانحدار ومنحنى العقود الآجلة والتوقعات الاجتماعية وغيرها.


الشاهد أن كثيرا من المؤسسات والمنظمات الدولية تفشل في تقدير أسعار النفط بقدر ما تفشل في تقدير نسب النمو الاقتصادي والتنبؤ بالأزمات المالية وغيرها ورغم ذلك ينظر إلى توقعاتها في دول العالم الثالث وكأنها حقيقة واقعة وبعيدة عن الزلل.